إن العقل البشري قادر علي إنجاز المفاخر والإبداعات العظيمة بالإضافة إلى كونه عُرضة لاتخاذ القرارت الكارثية. إننا نفقد التركيز أو نركز بشدة، نكون خائفين أو مبالغين في ثقتنا بأنفسنا، تطغي علينا التحيزات Biases: أخطاء بشرية بسيطة، في عالمنا المعقدهذا، قد تؤدي إلي كوارث ضخمة .
لحسن الحظ، إن فهمنا المتزايد لأسباب هذا الزلل يعطينا طرقا جديدا لتجنب هذا الخلل والأكثر من ذلك أن نسخر عقولنا للحفاظ على الحياة من الدمار.
التحيز التأكيدي Confirmation Bias
نحن نؤمن فقط فيما نفكر فيه بالفعل
عندما انفجرت حاوية تنقيب النفط Deepwater Horizon في خليج المكسيك عام 2010، كانت ألسنة اللهب مرئية من بعد 50 كيلومترا. قبل الانفجار، اختبر طاقم الحاوية السد الخرساني في بئر حديث التنقيب قبل إزالة عمود التنقيب البالغ طوله 1.5 كيلومتر. أشارت النتائج أن السد غير آمن وأن إزالة عمود التنقيب سينتج عنه انفجار كارثي. لماذا تم إهمال العلامات؟
يقول محلل الكوارث أندرو هوبكنز من الجامعة الوطنية الأسترالية أن العمال يرون الاختبار كوسيلة للتأكيد على أن البئر المحفور محكم السداد، وليس كوسيلة لاكتشاف ذلك بالفعل. عندما يفشل الاختبار، يفسره العمال علي الفور باستخدام “تأثير المثانة” “bladder effect”، والذي يربط ارتفاع الضغط في أنبوبة التنقيب بالتواء السدادة المطاطية بدلا من ارتفاع ضغط النفط او الغاز. هذا التفسير تم رفضه بعد ذلك كتفسير معقول بواسطة فريق تحقيق مستقل عن حادثة التسرب في خليج المكسيك بتفويض من الرئيس باراك أوباما.
إن ممانعة عمال الحاوية أن يأخذوا نتائج الاختبار علي محمل الجد ليس أمرا استثنائيا. أغلبنا يجد مشكلة في تقبل الدليل الذي يناقض تصوراتنا. علماء النفس يطلقون على تلك الممانعة التحيز التأكيدي.
ما مصدر هذا التحيز؟
يقول ميشيل فرانكMichael Frank، عالم الأعصاب بجامعة براون Brown University، أن هذا التحيز قد يكون له أساس كيميائي متمثل في الناقل العصبي الدوبامينDopamine، والذي يعمل بمثابة إشارة مكافأة في الدماغ. بوجوده في القشرة القبل جبهية prefrontal cortex، فإنه ينزع بنا إلى تجاهل الدليل الذي يتعارض مع الآراء والمعتقدات العتيقة التي لطالما تمسكنا بها، مانعا إيانا من الاضطرار إلى المراجعة المستمرة للصورة المختزلة التي نفهم من خلالها العالم. في جزء آخر من الدماغ، the striatum، فإن الدوبامين له أثر معاكس: فمستواه يرتفع استجابة للمعلومات الحديثة، وهذا يجعلنا أكثر انفتاحا لتلك التفاصيل. في أغلب الأشخاص، فإن المحصلة النهائية لهذين التأثيرين المتعاكسين هو تفضيل المعتقدات القديمة. لكن فرانك قام بالعديد من التجارب التي كشفت أن بعض الأشخاص يحملون جين يسرّع من تكسير الدوبامين في منطقة striatum. هذا يعني أنهم يحصلون على مستويات أعلي من الدوبامين فور اطّلاعهم على الحقائق الجديدة، جاعلا منهم أقل خضوعا للتحيز التأكيدي.
هل يستحق الأمر القيام بعمل فحص جيني للمتقدمين للوظائف لإيجاد الأفضل في إتخاذ أفضل القرارات في المواقف عالية الخطورة؟ يجيب فرانك: لعلها ليست فكرة حسنة، على الأقل ليس الآن. فجين وحيد غير قادر علي التنبؤ بمدي التصرفات التي قد يسلكها الشخص، سواء تحت ضغوطات أم لا.
يقول هوبكنز: لكن هناك بعض الأمور التي بإمكاننا فعلها للحد من هذا التحيز في المواقف الحرجة. فعلي سبيل المثال، تستطيع شركات النفط تعيين “devil’s advocate” “محامي إبليس” يوكل لمعارضة القرارات، مجبرا مُتخذ القرارات على اعتبار وجهات النظر البديلة.
Fixation Error
حين ننشغل بالتفاصيل فإننا نغفل عن الأولويات
عام 2005، ذهبت ايلين بروملي Elaine Bromiley سيدة تبلغ من العمر 37 عاما إلى المستشفى لإجراء عملية بسيطة بالجيوب الأنفية. عندما انسد المجري الهوائي، سعي 3 من الأطباء لإدخال أنبوبة عبر المجري الهوئي ليصل إلى الحنجرة. حينما فشلوا في مسعاهم، كان من المفترض إجراء tracheostomy، إحداث فتحة عبر القصبة الهوائية لتسمح لها بالتنفس. بدلا من هذا، استمر الأطباء في محاولة إدخال الأنبوبة، غير منتبهين أن المريضة كانت محرومة من الاكسجين. لم تستيقظ ايلين مجددا.
هذا النوع من الخطأ-Fixation error- تم توضيحه عام 1999 بتجربة مشهورة قام بها عالمي النفس دانيل سيمونز Daniel Simons وكريستوفر شابرز Christopher Chabris. طلبا من مجموعة من المتطوعين عد عدد المرات التي سيقوم بها مجموعة من الأشخاص بتمرير الكرة فيما بينهم. وبينما هم يشاهدون، ظهرت في الإطار امرأة ترتدي زي غوريلا وضربت على صدرها ثم اختفت مجددا من المشهد. لشد ما كان المتطوعون مركزين في مهمتهم لدرجة أن نصف عددهم لم يلاحظ حتى ظهور الغوريلا في المشهد. يقو سيمونز: “إننا نملك قدرة ممتازة على تركيز الانتباه على الأشياء التي نهتم بها أو ترتبط بالمهمة التي نقوم بها.”
لكن هذا يعني أنه أحيانا ما تفوتنا أشياء. تتعامل شركات الطيران مع تلك المشكلة جزئيا عن طريق تشجيع طاقم العمل على التواصل. إذا فات شخص ما أحد الأشياء، فإن المنطق يكمل الصورة، حيث يستطيع الآخرون توضيح ما فات هذا الشخص. هذا ليس بالبساط التي قد تبدو عليها. فقبل أن تقدم الخطوط الجوية تلك الثقافة من التعامل في الثمانينات، فإن قمرة القيدة كانت تعمل بتراتبية، ومن ثم كان يشعر طاقم العمل عد القدرة على تحدي أو معارضة الطيار عندما تحدث مشكلة ما. هذا ما يحدث داخل غرفة العمليات أيضا. فأثناء عملية ايلين بروملي، لاحظت الممرضات ازرقاق ايميلي، لكن أيا منهن لم تكن قادرة على إخبار الطبيب بالحل.
باعتباره طيار هو الآخر، فإن مارتن زوج ايميلي يري كيف يمكن لإجراءات الأمان المتبعة في الملاحة الجوية أن تفيد مجال الرعاية الصحية. ولذلك فإنه يدعو لتقديم بروتوكولات الأمان، بما فيها قائمة الأولوياتchecklists .
فقائمة الأولويات تسمح للفريق الطبي أن يقدموا أنفسهم ويؤكدوا لفظيا على التفاصيل المحورية للعملية الجراحية التي هم بصدد القيام بها. دراسة وحيدة أجراها الباحثون بجامعة تورنتو Toronto بكندا، على 80 فرد من فريق العمل الجراحي عبر 170 عملية أوضحت أن قوائم الأولويات قللت من سوء التواصل بنسبة ثلثين، والذي يعتبر السبب الأولي لأخطاء الرعاية الصحية. إن المطالبة بتطبيقها تتزايد بسرعة. فقائمة الأولويات الجراحية التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية عام 2008، تطبق الآن في المستشفيات العامة بالمملكة المتحدة.
يقول مارتن بروملي: “إن الدليل على كفاءة قوائم الأولويات على تقليص المضاعفات واحتمالات الموت بنسبة كبيرة، لا شك فيه.”
التجمد البدائي Primal Freezing
حين تنتهي صلاحية غريزة البقاء
تطور الخوف كآلية لتعزيز البقاء. عندما تواجهنا المخاطر، تتسارع قلوبنا ويغمر هرمون التوتر الكورتيزول cortisol مجري الدم، موفرا المزيد من الطاقة للعضلات على هيئة جلوكوز. المشكلة أن الكورتيزول أيضا يقصي الوظائف المعرفية كالذاكرة الفعالة working memory، والتي تمكننا من معالجة المعلومات واتخاذ القرارات، والذاكرة التصريحيةdeclarative memory ، والتي تمثل قدرتنا علي استرجاع الحقائق والأحداث. في السياق التطوري، فإن تلك النتيجة منطقية جدا. تقول ساريتا روبنسون عالمة نفس الأعصاب بجامعة Central Lancashire: “في حالة أنك تفر هربا من نمر يطاردك، ليس من المهم على الإطلاق أن تتذكر كيف تفعل ذلك.” لكن في عالمنا المعقد المعاصر، حيث تكون البراعة المعرفية أكثر أهمية لتحقيق النجاة من القدرات البدنية، خوفنا قد يتركنا مكشوفي الظهر.
هذا لا يعني أننا غير قادرين على إجراء المهمات المعقدة تحت ضغط. فالكورتيوزل لا يمس الذاكرة الإجرائية procedural memory، والتي تمكننا من أداء الأفعال كالمشي وفتح الأبواب. ولهذا فإن أغلبنا قادر بصورة تلقائية على أن ينفذ سلوكيات راسخة لديه مثل أن يفك حزام الأمان، حتى عندما نكون مرتعدين. فالذاكرة الإجرائية أيضا تسمح للطيارين المدربين جيدا ورجال الإطفاء أن يقوموا بدورهم تحت ظروف عصيبة. تقول روبنسون: “إنهم ليسوا مضطرين إلى استنتاج كل شيء من الأساسيات والقواعد الأولى في البيئة المليئة بالضغوطات.”
لكن بدون تلك التدريبات، فإن عقلنا المعرض للخطر بفعل الكورتيزول قد يؤدي إلى تجمدنا أو حتي القيام باستجابات تلقائية غير مناسبة تماما للموقف. في التجارب التي تضمنت تدريبات إخلاء طائرات الهليكوبتر تحت الماء، وجدت روبنسون أن الراكبون المحتجزون يحاولون فك سراحهم من المقاعد من الجانب كما اعتادوا مع سياراتهم، بدلا من المنتصف، حيث يوجد المشبك. تقول روبنسون: ” إنهم يدركون أنهم يجلسون في مقعد الطائرة، لكنهم غير قادرين على خلق تصرف جديد حينها.”
يؤخذ في الحسبان شيء مشابه حدث أحد ليالي سبتمبر 1994، حين غرقت عبارة الرحلات البحرية تساعية الطوابق MS Estonia، في المياة الهائجة لبحر البلطيق وذلك أثناء توجهها لاستوكهولم، حيث مات 852 من مجمل 989 شخص كانوا علي متنها. وفقا للتقرير الرسمي للحادث، فإن بعض الركاب “تسمر في مكانه” حين تأرجحت العبارة، و”لم يستجيبوا حين حاول الركاب الآخرون إرشادهم، حتى حين استخدموا حيالهم القوة أو حين صاحوا في وجوههم.”
حتي ممارسة روتين الطوارئ مرارا وتكرارا قد لا تحول دون وقوع الكارثة. في دراسة عام 2013، ستيف كاسنر Steve Casner من وكالة ناسا وجد أن طياري طائرة بوينج 747 قد يقعوا في أخطاء كارثية أثناء سيناريوهات محاكاة الطوارئ التي تختلف اختلاف طفيف عن تلك التي تدربوا عليها. علي سبيل المثال، في تدريب المحاكاة القياسي، عادة ما يتدرب الطيارون على التعامل مع فشل محرك واحد أثناء الإقلاع بعد أن تقطع الطائرة مسافة كبيرة على السرعات العالية. يقول كاسنر: ومع ذلك فنادرا ما يواجه الطيارون تلك المشكلة في أول إقلاع لهم في التدريب. في الدراسة، يحاول كاسنر وزملاؤه أن يفاجئوا نصف المتدربين بتلك المشكلة. إن التصرف الصائب هو الاستمرار في الإقلاع، إلا أن 22% من الطيارين والذين واجهوا المشكلة في أول إقلاع لهم في التدريب حاولوا وقف الإقلاع. في العالم الحقيقي، فإن هذا التصرف قد يعني شهادة إنهاء الخدمة كطيار بنهاية مدرج الإقلاع.
يقول كاسنر: يكمن الحل في تدريب أدمغتنا للتعامل مع الظروف اللامتوقعة، عن طريق إدخال المزيد من المفاجآت في التدريبات العملية. فوزارة الطيران الأميركية في خططها إدماج الأحداث المفاجئة في تدريبات الطيارين بحلول عام 2019. يقول راندال بايلي Randall Bailey من برنامج الطيران الآمن بوكالة ناسا: هذا يجعل من إعداد الطيارين أمرا واقعيا وفعالا.
“فاللامتوقع يحدث كل يوم في العالم الواقعي.”
تحيز النتيجة Outcome Bias
حين يغرينا النجاح
في 23 يناير 2003،راسل مدير الطيران بناسا، هيوستن، رواد الفضاء بالمكوك الفضائي Columbia، يعلمهم أن قطعة من رغوة العزل تطايرت من على خزان الوقود وضربت جناح المكوك. كتب يقول: “لقد سبق ورأينا تلك الظاهرة إثناء إقلاعات عدة ولا داعي إطلاقا للتدخل.” بعد 9 أيام لاحقة، تفكك المكوك عند عودته وأثناء دخوله الغلاف الجوي، دمره الهواء الساخن الذي دخل عبر الفتحة الموجودة في الجناح المكسور.
كيف لناسا، تلك المنظمة التي تحشد جمعا من الخبراء، أن تري مشكلة مرارا وتكرارا ولا تلتفت لها؟ إن نزعتنا لتجاهل العلامات التحذيرية هو ما تقوم روبن ديلون Robin Dillon-Merrill بجامعة جورج تاون بتقصيه ودراسته لعقود. تقول روبن: إن البشر غالبا سيئون جدا في التفكير بجدية بشأن الأخطاء والمشاكل التي يحالفهم الحظ في تجاوزها near misses لطالما أن الأمور تنتهي علي خير حال، تلك ظاهرة تسمي تحيز النتيجة. تضيف: “عندما يكون هناك أمور بينة الخطأ، فالناس يتعرفون عليها ويلاحظونها، لكن عندما يكون هناك أخطاء بسيطة ويحصل الناس على نواتج جيدة على الرغم من ذلك، بمرور الوقت يتجاهلونها أكثر فأكثر.” فقط حين تحدث الكارثة فإننا نستفيق فجأة وندرك هذا الخطأ.
لماذا يغرينا النجاح بسهولة؟ في دراسة عام 2012، تالي شاروت Tali Sharot من جامعة لندن مع زملائها وجدوا علاقة ترابط بين نزعتنا للتفاؤل اللاواقعي unrealistic optimismومستويات الدوبامين في الدماغ. تقول شاروت: من وجهة نظر تطورية، فإن تلك النزعة عظيمة الفوائد. تقول: “إنها تعزز الدافع. إذا ظننت أنك أقرب للنجاح، فإنك حينها أقرب للسعي.”
من أجل تفادي هذا التحيز، روين ديلون لديها اقتراح لمساعدتنا لملاحظة التفاصيل السلبية. تقول: “أحد زملائي بناسا يقوم بورش عمل ما يسميها (توقف وتعلم)(pause& learn) .” الهدف من ذلك هو تقييم العملية قبل معرفة النتائج. “لآنه وكما نعلم أنه حين نري النتيجة ناجحة في المستقبل فسوف ننحاز لها.”
التفكير الجمعي Group Think
إن عقولنا مبرمجة على الوفاق
لطالما علمنا أن الناس ينزعون إلى موافقة آراءهم مع آراء الغالبية. عام 2011، اكتشف عالم النفس جميل ذكي Jamil Zaki بجامعة ستانفورد السبب وراء ذلك. إن الجواب يتضمن الجزء الداخلي البطني للقشرة قبل الجبهية ventromrdial prefrontal cortex، جزء من مركز المكافأة في المخ والتي تضيء (في جهاز fMRI) عندما نجد الأشياء التي نرغب بها، كقطعة شكولاتة مثلا. وجد فريق ذكي أن تلك المنطقة تنشط عندما يتم إخبار الشخص فيم يفكر الآخرون. وكلما ازداد نشاط الدماغ تجاه المعلومات عن آراء المجموعة، ازداد الشخص في ضبط وتكييف آراؤه نحو الإجماع.
تقول ليزا نول Lisa Knoll عالمة الأعصاب بجامعة لندن: “قد يكون الوفاق مفيدا ف الحياة اليومية، حين نسمح للآخرين أن يكونوا مرشدين في المواقف الغير مألوفة. لكن قد يقودنا ذلك أيضا إلى الخطر.”
في بداية 2015، نشرت نول دراسة طلبت فيها من الناس أن يقيموا مدي خطورة المراسلة الإلكترونية أثناء عبور الطريق، القيادة بدون حزام الأمان وهكذا.
بعد أن رأي هؤلاء الأشخاص أرقام تمثل تقييمات الآخرين لتلك المخاطر، قرب كل المتطوعين تقييماتهم تجاه تقييمات الأغلبية، حتى لو عنَي ذلك أن يقللوا من تقييمهم الأولي للمخاطرة.
قد يكون لهذا التفكير يد فيما حدث في فبراير 2012، عندما مات ثلاثة أشخاص من مجموعات التزلج، بما في تلك المجموعات من محترفين، مراسلين إخباريين، علي منحدر backcountry بولاية واشنطن. المصور الفوتوجرافي كيث كارلسن كان لديه شكوك حيال الخروج والتزلج لكنه عمل على التخلص منها: “من المستحيل أن تتخذ تلك المجموعة كلها قرارا ليس بالحكيم.”
كيف يمكن تجنب أخطاء التفكير الجمعي؟
إن الحل مشابه لما تم اقتراحه بخصوص التحيز التأكيدي: ابتكار الطرق لتحفيز النقاش. عندما يجتمع ذكي برفاقه في المعمل، فإنه يحثهم على الجهر بالآراء المتعارضة. يقول أيضا أنه من المفيد ان يصوّت الناس على القرارات الكبيرة بخصوصية بدلا من اختلاف الآراء علانية. يقول: “من المهم تشجيع احتقار الآراء أكثر من أي شيء آخر.”
الوضع الافتراضي Default Mode
لأن عقولنا مصممة أن تسرح
كل سائق اختبر هذا الشعور، حين يمتد أمامه الطريق ويسرح عقله ما بين العشاء أو الاجازة القادمة. بمجرد ما تصبح البيئة المحيطة متوقعة، آمنة أو مملة، فإن عقلك يبدأ في التجوال. يقول ستيف كاسنر من ناسا: “بعد مضي 15 دقيقة، نجد أنه من غير الممكن مقاومة أن نبدأ التفكير في شيء آخر.”
ف”أحلام اليقظة” ضمن أسباب حوادث القطارات والطائرات، ووفقا لدراسة قام بها باحثون فرنسيون 2012 وجدوا أنها سبب نصف كل حوادث السيارات. حين تنجرف أفكارنا، فإن الوضع الافتراضي والذي هو بمثابة إعداد داخل بنية الدماغ يبدأ في العمل. يقول جوني سمالود Jonny Smallwood بجامعة يورك بالمملكة المتحدة: “ما الذي يفعله هذا الوضع بالتحديد يظل من الخفايا، لكن يبدو أنه يلعب دورا مهما في مساعدتنا لتنظيم أفكارنا والتخطيط للمستقبل.”
على الرغم من أنه ليس ضروريا أثناء التعامل مع الماكينات الثقيلة. من حسن الحظ، هناك بعض الخطط تمكنك من التركيز على مهمتك.
الطريقة الأولى أن تكون على وعي بساعتك البيولوجية. تقترح الأبحاث أن المبكرون في استيقاظهم early risers يركزون لمدة أطول في بداية اليوم، في حين أن من يسهرون night owls يركزون بصورة أفضل في الليل. طريقة أخري تتلخص في أن اتخاذ السائقين لطرق غير مألوفة يحسن من تركيزهم. حيث وجدت دراسة حديثة ان من يقودون على طرق مألوفة اعتادوا السير عليها يقتربون أكثر للسيارات أمامهم، وكانوا أقل انتباها للمشاه، تلك التاثيرات التي أرجعها الباحثون لأحلام اليقظة.
مضغ اللبان واستهلاك الكافيين، أيضا، يحسن من تركيز الأشخاص في المهمات المعتادة والمملة. فتحذير الناس من فقدان التركيز هو أمر يعمل على اكتشافه الباحثون. بعض شركات تصنيع السيارات تتجه نحو هذا الاتجاه: في يونيو، أعلنت شركة جاغوار Jaguar عن مشروع بحثي لمراقبة الموجات الدماغية للسائق وتحذيره حين يفقد تركيزه.
صراع التكنولوجيا Tech Clash
لأننا لا نتكلم لغة الماكينات
واحدة من أشنع حوادث النيران الصديقة والتي حدثت يوما للجيش الأمريكي في أفغانستان كانت بسبب ضعف البطارية. عام 2001، عضو من القوات الخاصة أدخل إحداثيات لمكان طالبان في جهاز الGPS وكان على وشك إرسالهم إلي فرقة تفجير بقنابل B-52 حين انتهي شحن بطارية الجهاز. قام باستبدال البطارية وأرسل الإحداثيات. ما لم يدركه هو أنه حين أعاد تشغيل الجهاز، أعاد الجهاز ضبط الإحداثيات تلقائيا لمكان الجهاز نفسه. قنبلة زنة 900 كيلوجرام أرسلت على رأس مركز القيادة الأمريكية، مهلكة إياه مع سبعة آخرين.
تقول سارة شاربلز Sara Sharples باحثة في جامعة نوتنجهام : “في عالم يتزايد فيه الاعتماد علي الآلات، فإن سوء التفاهم بين البشر والآلات تمثل قضية ملحة.” فجزء من التحدي يتمثل في تسهيل التحكم البشري فيما يفعله الحاسوب والآلات، بمعني تقديم المعلومات بصورة أوضح. فجهاز الGPS المستخدم تم انتقاده بسبب سوء واجهة المستخدم، والتي يقول عنها الجنود أن من السهل الاضطراب في قراءتها في ضباب الحرب.
ساهم التشوش التكنولوجي في حوادث ضخمة أخرى. حين تحطمت طائرة الخطوط التركية عند اقترابها لمطار Schiphol بامستردام، عام 2009، حين سبب خطأ في جهاز مقياس الارتفاع altimeter في إبطاء الكمبيوتر للطائرة باعتبار أنها كانت قريبة من الأرض. في الواقع كانت الطائرة على ارتفاع 1000 قدم. ظهر المؤشر الأول علي وضع الفرملة التلقائية على شاشة عرض الطائرة ككلمة صغيرة “RETARD”، إلا أن طاقم الطيران في قمرة القيادة كان منشغلا بحيث لم يلاحظ تنشيط هذا الوضع.
عام 2013، تحطمت الرحلة 214 للخطوط الجوية Asiana عند اقترابها لسان فرانسيسكو، كان أحد العوامل المتسببة في هذا التحطم هو أن طاقم الطيران لم يكن يعرف كيف يتصرف الكمبيوتر المعقد في الطائرة في أوضاع الطيران المختلفة.
يقول ميشيل فيري Michael Feary ، الباحث السيكولوجي بناسا: أن جزء من الصعوبة يكمن في استخدام لغة المهندسن “engineer-speak” في واجهات الاستخدام على الطائرات. “نحتاج إلى تحسين واجهات الاستخدام لتحقيق أفضل تواصل مع الأنظمة المعقدة في الطائرات الحديثة.”
إنها مشكلة بدأنا للتو في فهمها ومعالجتها. فنادين سارتر Nadin Sarter بجامعة ميتشجن بالاشتراك مع زملائها بtechnology company Alion، علي سبيل المثال، يعملون على أداة بتمويل من ناسا والتي تحاول إيجاد العيوب والهفوات في تصميمات قمرات القيادة المقترحة. هذا البرنامج المسمى ADAT، يفحص عدد من التفاصيل والتي تتضمن عرض المعلومات الضرورية بخصوص حالة الطيران بوضوح عبر الأجهزة. تقول سارتر: “نحاول استغلال كل شيء تعلمناه في الماضي، ونأمل منع الحوادث بدل تفسيرها بعد وقوعها.”
مصدر المقالة: https://goo.gl/2jKziR