هذا المقال ترجمة لفصل instinct من كتاب The Meaning of Human Existence لعالم الاحياء الشهير Edward O Wilson *الكتاب الحائز على جائز بوليتزر لعام 2014 كان الكاتب الفرنسى جان بوللر (الذى كتب تحت الاسم المستعار فيركور ) على حق عندما اعلن فى روايته You shall know them عام 1925 ان ” كل مشاكل الانسان تنبع من حقيقة اننا لا ندرى من نحن واننا لا نتفق على ما نريد ان نكون “. عند هذا الجزء من رحلتنا فاننى اقترح ان نعيد الكرة تلك المرة بمساعدة علم الاحياء العام فى محاولة تفسير لماذا الوجود الانسانى ملغز لهذه الدرجة ونتطرق من ثم الى السبل التى من الممكن ان نحل بها هذا اللغز. ان العقل البشرى لم يتطور بتوجيه مؤثر خارجى فى اتجاه المنطق الخالص او المشاعر الكاملة. انه يبقى دوما وكما كان آداة للنجاة والتى تسخر كلا من المنطق والمشاعر. انه يتجلى فى تركيبه الحالى من خلال متاهة من المراحل والخطوات الصغيرة والكبيرة, فى سلسلة هى واحدة من ملايين الاحتمالات. كل مرحلة فى تلك المتاهة كانت عبارة عن طفرة عشوائية بالاضافة الى الانتخاب الطبيعى بما لهما من تأثير على بدائل مختلفة من الجينات التى تحدد شكل ووظيفة المخ والجهاز الحسى. من خلال الصدفة المتمثلة فى شكل من التغذية الرجعية 1 مع البيئة المحيطة تم التوصل للجينوم البشرى فى شكله الحالى. فى كل خطوة من خطوات التطور تلك كان من السهل جدا ان ينحرف الجينوم الى طريق مختلف اخر ومن ثم ظهور كائن آخر له مخ وجهاز حسى مختلف قادر على القيام بأنشطة ومهمات مختلفة. ان احتمال الوصول الى المستوى الحالى للبشر كان يتضاءل بحدة عند كل خطوة من تلك الخطوات التى تشكل المتاهة. ان التمازج الخاص بين المنطق والمشاعر والذى نصفه بالطبيعة البشرية كان احد ملايين النتائج المتوقع ظهورها, نظام مستقل فى ظهوره اولا وقبل العديد من الانواع والفصائل التى من الممكن ان تحقق مخ ونظام حسى على مستوى السعة والقدرة البشرية. بمقدار ما لدينا من المنطق فان صورتنا الشخصية لذواتنا ولفصيلتنا كان دوما وما يزال مشوها نتيجة التحيزات الادراكية العميقة والمفاهيم الخاطئة والاوهام واصنام الخرافات والدجل والشعوذة التى وصفها فرانسيس بيكون منذ اربعة قرون ماضية.لقد تم فرضها واكتسابها وزرعها فينا ليس من خلال الاحداث الثقافية بل من خلال طبيعة العقل العامة كما ذكر الفيلسوف الكبير.
ولهذا ما تزال موجودة. التشوش يزداد بكثرة. على سبيل المثال فى اواخر 1970 توجه علماء الاجتماع فى الاساس كان موجها صوب الانسانيات. كانت النظرة السائدة هى ان سلوك الانسان فى الاساس او حتى بصورة كلية نتاج ثقافى وليس له اى اساس بيولوجى. ومن هنا ظهر المتعصبون منهم ليعلنوا انه ليس هناك ما يسمى الغريزة او الطبيعة البشرية. بنهاية القرن العشرين غلب التوجه حيال البيولوجى. اليوم,اصبح اعتقادا شائعا ان سلوك الانسان له مركب واساس جينى قوى. الغريزة والطبيعة البشرية واقع بالرغم من المناقشات القوية العميقة العنيفة حولهم. كلتا النظرتين اتضحتا ان نصفهما صواب ونصفهما خطأ على الاقل فى شكلهما المتطرف. ان التناقض الناتج وغالبا ما يوصف (خلاف الطبيعة مقابل التربية nature vs nurture ) من الممكن حله من خلال تطبيق المفاهيم الحديثة للغريزة البشرية كما يلى.
ان الغريزة فى الانسان كالغريزة فى الحيوانات. بالرغم من ذلك فانها ليست محددة تماما او تمثل سلوكا صارما ثابتا كما يظهر فى اغلب الفصائل الاخرى. هناك مثال كلاسيكى رئيسى على السلوك الاخير هو دفاع ذكر سمكة ابو شوكة threespine sticklebackعن منطقته, تلك السمكة التى تتواجد فى المياة العذبة والمياة المالحة على السواء فى نصف الكرة الشمالى. خلال موسم التزاوج كل ذكر يرابط عند منطقة صغيرة يدافع عنها ضد الذكور الاخرى. فى نفس الوقت يظهر لتلك الفصيلة لدى الذكور تحديدا لون احمر براق على جانبه السفلى. يقوم الذكر المرابط بمهاجمة اى ذكر اخر لديه تللك البقعة الحمراء. ومن ثم كل ذكر اخر من نفس الفصيلة يمثل الخصم له عندما يقترب من منطقته. فى الواقع فان رد الفعل هذا ابسط من ان يتضمن سمكة بصورة كاملة. فالذكر ليس فى حاجة الى ان يتعرف على الصورة الكاملة للسمكة الحقيقية حتى يقوم بمهاجمته. ان عقله الصغير نسبيا مبرمج بحيث يستجيب فقط الى البطون الحمراء. عندما قام الباحثون بتقطيع اجزاء من الخشب فى شكل دائرى او حتى اشكال اخرى لا تشبه السمك ثم قاموا بوضع نقطة حمراء عليها تم مهاجمتها بنفس العنف. . مرة كان لدى بالمختبر سحالى anole lizards من جزر مختلفة تقع غرب الهند. فى محاولة لدراسة عروضهم الدفاعية لحماية منطقتهم territorial displays تلك الزواحف فى حجم الابهام متواجدة بغزارة فى كل مكان فى الاشجار والشجيرات, حيث يصطادون الحشرات والعناكب واللافقريات الاخرى. يهدد الذكر البالغ الخصم عن طريق بروز ثنية جلدية تحت العنق تسمى اللغد Dewlap. لدى كل فصيلة لون لغد مختلف غالبا طيف من الاحمر او الاصفر او الابيض والذكور من نفس الفصيلة يستجيبون فقط الى اللون الذى يمثل لون فصيلتهم. لقد وجدت اننى احتاج فقط الى ذكر واحد وليس اثنين لكى احصل على عرض اللغد الدفاعى. كل ما كان على فعله هو ان اضع مرآة على احد اطراف الحظيرة. ومن ثم يستجيب الذكر الموجود بالحظيرة باظهار عرضه الدفاعى ضد صورته الشخصية (وكانت النتيجة التعادل والانسحاب فى كل مرة ).
صغار السلاحف البحرية عندما تفقس وتخرج من بيضها المدفون بواسطة امها تحت رمال الشاطئ, امها التى تخرج من البحر فقط وخصيصا من اجل هذا الغرض. كل من الصغار يحفر طريقه للسطح ومن ثم الى البحر مباشرة حيث ستقضى بقية حياتها. ما يجذب هؤلاء الصغار الاحداث للبحر ليس تلك المناظر والروائح المنبعثة من حافة البحر. ولكن الطُعم بدلا من ذلك هو الضوء المتلألأ اللامع المنعكس من سطح البحر. عندما قام الباحثون بتوجيه ضوء اكثر لمعانا وتلألأ بجانب هؤء الصغار قام الصغار بتتبعه حتى وان كان هذا الضوء يبعدهم عن البحر.
الانسان والثدييات الكبيرة المخ ايضا يتم توجيهها من خلال مؤثرات معينة وغرائز موروثة.ولكنهم ليسوا صارمين او ساذجين مثل تلك الحيوانات الدنيا. فى المقابل فان الناس على وجه الخصوص يحكمهم ما يسميه علماء النفس التأهب للتعلم 2 prepared learning. ما يتم توريثه هو امكانية تعلم احد او بعض السلوكيات البديلة من ملايين الاحتمالات. اقوى تلك السلوكيات المتحيزة تتشاركها كل الثقافات حتى وان بدت غير معقولة او كان هناك العديد من الفرص لعمل اختيارات اخرى(الخوف) . انا نوعا ما لدى خوف من العناكب ولقد حاولت فى مرة ولكنى لم استطع ان اجبر نفسى على لمس عنكبوت كبير متعلق فى شبكته. بالرغم من علمى انه لن يعضنى حتى وان فعل فانه غير سام. لقد تملكنى هذا الخوف الغير مبرر حتى الان منذ سن الثامنة. عندما اختبرت شعورا بالخوف نتيجة حركة ارتجاج واهتزاز مفاجئة لعنكبوت حدائق عملاق من فصيلة Araneusالتى تنسج شبكة دائرية. كنت قد اقتربت لاتفحص هذا الوحش (كما بدا لى ) عن قرب حيث يتعلق فى سكون شرير فى منتصف شبكته ولقد اجفلت من حركته المفاجئة. اليوم فاننى اعلم اسمه العلمى والكثير عن صفاته البيولوجية-كما ينبغى, باعتبار اننى خدمت عدة سنوات امين علم الحشرات فى متحف جامعة هارفارد لعلم الحيوان المقارن. لكنى لازلت غير قادر او عازم على لمس العناكب الكبيرة المتعلقة فى شباكها.
هذا النوع من النفور احيانا ما يتعمق ويتعملق عند بعض الناس حتى يصبح رهابا مكتمل الاركان, يتميز بنوبة زعر وغثيان وعدم القدرة حتى على التفكير بمنطقية فى الشئ موضوع الخوف.ولاننى قد ذكرت توا واعترفت بالنفور المعتدل والغير مبرر ساعترف ايضا بالرهاب الحقيقى الذى يعترينى. اننى لا اطيق او اتحمل ان يتم تثبيت ذراعى بقوة وان يغطى وجهى تحت اى ظرف متخيل. انا اتذكر بكل تاكيد تلك اللحظة التى نشأ فيها هذا الرهاب. عندما كان لدى 8 سنوات (نفس عام العنكبوت) اجريت لى عملية مخيفة فى العين. تم تخديرى بطريقة القرن ال19 فى وضع استلقاء على منضدة العمليات بون اى تفسير لاى شئ على ما اتذكر. ثم تم توثيق ذراعيى وتم وضع قطعة من القماش تقطر أثيرا على وجهى. لقد كنت اصرخ كما كنت اقاوم. شئ ما فى اعماقى يقول لى : لن يحدث هذا مرة أخرى مطلقا! الى هذا اليوم لدى تصور تجريبى لهذا الرهاب. فى مشهد يتم فيه تصويب سلاح الى بينما يخبرنى سارق خيالى ما انه ينوى ان يقيد ذراعيى قم يغطى وجهى. رد فعلى على هذا السيناريو وانا اعتقد انه سيكون كذلك على ارض الواقع اننى ساقول له ” لا, لن تفعل ذلك. لذا انطلق واطلق الرصاص ” اننى افضل الموت على ان يتم تقييدى وتكميمى مرة اخرى.
ان الرهاب Phobias ياخذ وقتا طويلا وبعض العلاج لازالته. بالرغم من انه قد يتم اكتسابه عن طريق خبرة شعورية واحدة كما يتكشف ذلك لى وللعديد من الناس الاخرين. ان الظهور المفاجئ لشئ يتلوى على الارض على سبيل المثال قد يكون كافى لبعض الناس لاكتساب رهاب من الثعابين. كيف يمكن لذلك الضرب من القسوة والمبالغة فى التعليم ان تحمل اى ميزة ؟ ان الفكرة تكمن غالبا فى الاشياء مواضيع الرهاب والتى تشمل غالبا العتاكب والثعابين والذئاب والمياة الجارية والاماكن المغلقة وحشود الغرباء. تلك الاشياء كانت من ضمن المخاطر التى تهدد اسلافنا قبل البشر والبشر البدائيين الصيادين وجامعى الطعام خلال ملايين السنين. اسلافنا الاقدمون غالبا ما واجهوا جراح او موت محقق اثناء البحث عن الطعام بالقرب من حواف الوادى او عندما يخطون باقدامهم غير مكترثين على ثعبان سام او يتفاجئوا بغارة وهجوم من قبيلة الاعداء. لقد كان الشئ الاكثر امانا ان يتعلموا بسرعة, يتذكروا الحادث مدة اطول وبصورة اوضح ويتصرفوا بشكل حاسم دونما التورط والانغماس فى اى تفكير منطقى. على النقيض, فالسيارات السكاكين الاسلحة النارية والتناول المفرط للسكر والملح من بين الاسباب الرئيسية المؤدية للوفاة فى الوقت الحالى. الا انه ليس هناك اى نزعة موروثة تطورت لتفادى تلك الاشياء. والسبب الارجح هو انعدام الوقت تقريبا لتطوير تلك النزعات اولزرعها hardwired داخل ادمغتنا.
ان الرهاب مثال متطرف, لكن كل السلوكيات المكتسبة من خلال خاصية التأهب للتعلم والتى قدمت قيمة تكيفية خلال حياة اسلاف البشر انما هى جزء من غريزة الانسان. الا ان اغلبها ايضا تم تناقلها من خلال الثقافة عبر الاجيال. كل السلوك الاجتماعى للبشر مبنى على اساس من خاصية التأهب للتعلم, الا ان قوة التحيز biasفى السلوك تتفاوت من حالة لاخرى نتيجة تطورها بالانتخاب الطبيعى. فعلى سبيل المثال الكائنات البشرية تولد محبة للثرثرةgossips بالغريزة. اننا نحب قصص حياة الاخرين ولا نشبع ابدا من تلك التفاصيل الغزيرة.من خلال الثرثرة نتعلم ونشكل واقعنا الاجتماعى. اننا نسعى خلف الروايات والدراما. لكن ليس لدينا اهتمام يذكر بقصص حياة الحيوان -الا اذا كانت تتعلق بطريقة ما بقصص الانسان. الكلاب تحب الاخرين وتشتاق للعودة الى منازلها, البوم يتأمل, الثعابين تتسلل, النسور تحلق ضاربة باجنحتها سماء الحرية.
ان الكائنات البشرية مصنوعة من عجينة الموسيقى. ان اثارة الموسيقى ونشوة طربها يشعر بها ويستجيب لها تقريبا الاطفال الصغار. بالرغم من ذلك فان اثارة(نادرا ما تكون نشوة استمتاع) المصاحبة للرياضيات التحليلية تأتى لحسن الحظ ببطأ وفى وقت متأخر, اذا كان لها ان تأتى. لقد خدمت الموسيقى البشرية فى عهدها الاول البدائى كوسيلة من وسائل تكامل المجتمعات وسمو مشاعر الناس, لكن الرياضيات التحليلية لم تفعل ذلك مطلقا. البشر الاوائل كان لديهم القدرة العقلية على اتقان الرياضيات التحليلية لكن ليس حبها. فقط التطور بالانتخاب الطبيعى وحده قادر على خلق حجر الاساس لهذا الحب الغريزى.
ان القوة المحركة للانتخاب الطبيعى ساعدت على تقارب وامتزاج التطور الثقافى بين الثقافات حول العالم. ان النتاج الكلاسيكى للحضارات كما اصدرت بذلك منظمة Human Relation Area Files عام 1945 قائمة تضم 67 مسلمة حضارية مشتركة منها (تم اختيارهم بطريقة عشوائية) :الالعاب الرياضية, زخرفة الجسد, فن الزخرفة, الاتيكيت, الاعياد,الفولكلور, الشعائر الجنائزية,تصفيف الشعر, تحريم زواج المحارم, الدعابة,قوانين الميراث, استرضاء المخلوقات الميتافيزيقية. ما نطلق عليه الطبيعة البشرية او الغريزة هى مجموع مشاعرنا وعواطفنا وقابليتنا للتعلم حيث مشاعرنا لديها اليد العليا فوق قابليتنا للتعلم. بعض الكتاب حاولوا تفكيك الطبيعة البشرية الى عدم. لكنها حقيقة وواقع ملموس وهى عمليات ايضا موجودة بداخل تركيب المخ. عقود من البحث كشفت ان الطبيعة البشرية ليست هى الجينات التى تحدد المشاعر والقابلية للتعلم. انها ليست ايضا المسلمات الثقافية التى هى بدورها نتاجها_اى الطبيعة البشرية_ النهائى. ان الطبيعة البشرية هى نسيج من تقابل وتمازج التطور والنمو العقلى مع التطور الثقافى وتراشقهم مع بعضهم البعض ومن هنا ترابط الجينات بالثقافة فى عقل كل شخص.

تصفيفة الشعر(باروكة) عند الفراعنة http://www.historymuseum.ca/cmc/exhibitions/civil/egypt/egcl06e.shtml
من بين كل التحيزات الموروثة المتلازمة فى التعلم هى اختيار البيئة حيث يفضل الناس ان يعيشوا . فالبالغون ينزعون الى بيئات مشابهة لتلك التى اعتادوها ونضجوا وكبروا فيها وتم تشكيلهم من خلال اغلب الخبرات المؤثرة فيها. بالنسبة لهم فان الجبال, الشواطئ, السهول اوحتى الصحارى على تنوعهم تمثل لهم البيئة والمأوى الذى يعطيهم الشعور الاعلى بالالفة والاعتياد والراحة. بالنسبة لى فقد نشأت بالقرب من خليج المكسيك, ولهذا تجدنى افضل السهول المنخفضة المسطحة التى تنحدر نحو البحر. بالرغم من هذا فعلى مستوى صغير من تلك الاستعراضات البيئية المختلفة وبالنسبة للاطفال الذين لم تتم عملية تنشأتهم وتثقيفهم بالكامل فان الابحاث العلمية تروى قصة مختلفة. متطوعون من بلاد عديدة ومن ثقافات مختلفة جدا طُلب منهم ان يُقيّموا عدة صور تمثل مدى واسعا من البيئات التى يحلمون ان يعيشوا بها. تراوحت الاختيارات من الغابات الكثيفة وحتى الصحارى وما بينهما من انظمة بيئية مختلفة. لقد تميزت الاختيارات التى اختارها الناس بثلاث عوامل: يتميز البناء انه يقع على ارتفاع يمكنه من النظر لاسفل, مشهد لمنتزه يجمع بين ارض عشبية تتناثر خلالها الاشجار والاجمة, القرب من منبع ماء سواء نهر او بحيرة او بركة او محيط. نموذج هذا الطراز يصادف ان يشابه منطقة السافانا الافريقية تماما حيث عاش اسلافنا الاقدمون وتطوروا عبر ملايين السنين. هل من المحتمل ان يكون تفضيل البيئة بالنسبة لفصيلتنا من بقايا خاصية التأهب للتعلم prepared learning ؟ ان فرضية السافانا الافريقية ليست تصورا من العدم. كل الحيوانات المتحركة, من اصغر الحشرات الى الافيال والاسود, تختار موطنها بالغريزة حيث تتكيف بيولوجيتها وحيوية اجسامها. اذا لم يفعلوا ذلك فستقل فرصهم فى الحصول على الطعام وعلى فرص التزاوج او على الوسائل التى بامكانهم الاحتماء بها لتجنب الطفيليات والوحوش الغير مالوفة.
فى الوقت الحالى ينزاح سكان القرى حول العالم اجمع بغزارة الى المدن. لعل حياتهم تتحسن من خلال تسهيل الوصول للاسواق والمدارس والمراكز الطبية.ايضا لديهم فرصة عظيمة لدعم انفسهم وعائلتهم. لكن باعطائهم حرية الاختيار حيث تتساوى تلك الميزات فى كل مكان فى المدن والريف سوا بسواء, هل يفضلون فعلا المدن والضواحى كاماكن للعيش بدلا من الريف؟ بسبب الديناميكية القوية للبيئة الحضرية والبيئة الصناعية الموجودة بها فانه من المستحيل التكهن بالاجابة. ولهذا فلمعرفة ما يفضله الناس حقا ويختاروه اذا ما اعطوا الحرية الكاملة, من الافضل توجيه الاعتبار صوب الاثرياء. كما سيخبرك المهندسون المعماريون ووكلاء العقارات باهظة الثمن ان الاغنياء يفضلون مساكن مرتفعة تطل على منتزهات بجانب منابع مائية. كل تلك الميزات ليس لها قيمة عملية ولكن الاشخاص ذوى اليد الميسورة سيدفعون اى ثمن للحصول عليها.
منذ سنوات قليلة مضت تناولت العشاء فى بيت صديق مميز جدا وثرى جدا والذى صادف انه يؤمن ايمانا صادقا ان العقل مجرد ورقة بيضاء غير مخطوطة باى غرائز. كان منزله عبارة عن سقيفة مطلة على منتزه سنترال بارك. عندما خرجنا الى الشرفة لاحظت ان الحافة الخارجية للشرفة مصطفة بشجيرات صغيرة فى احواض. نظرنا من علِ الى العشب البعيد الذى يحيط بالبحيرات الصناعية فى مركز المنتزه. واتفقنا ان المنظر جميل حقا. ولكن باعتبارى ضيفه فلقد احجمت عن سؤاله السؤال الحارق: لماذا هذا المشهد جميل.
1_ معادلة الفوضى الاساسية(chaos) هى f(x) = x2 + c
لمزيد من الاطلاع على نظرية الفوضى كتاب الفوضى لجيمس غليك
2_prepared learning:هو مفهوم تم وضعه لتفسير استعداد وتاهب الكائن الحى لاكتساب وتعلم سلوكيات معينة اسرع من سلوكيات اخرى
مثال ذلك الخوف
One thought on “الغريزة”